فتاة القبر البيضوي

في عالم مليء بالفقد, كل الطريق متاهات, كل البدايات نهايات. هكذا كبر وجدي وحيدا, تحت ركام من السنوات التي تخلو من الضحكات. ثم مضى في التيه بلا وجهة, محملا بالآلام والمعاناة. الظلام يلفه من كل الجهات. لا مستقبل أمامه. ولا سند خلفه. لم يعرف معاني الثقة والأمل و المشاعر. كانت كل دروبه طرقا مسدودة, وجل أحلامه موؤودة. لم ينعم يوما بدفء العناق. بل ظل يرتجف وسط صقيع الأشواق. فجأة يأخذ القدر دون سابق انذار في موعد غير متوقع إلى أثر والده الذي مات قبل ولادته. هناك يلتقي كيرا, لتتغير حياته منذ النظرة الأولى. حينها تنقلب النهايات إلى بدايات.   

حاولت والدتها أن تجهض وهي في بطنها، وسماها أبوها سليمة، ربما لأنها سلمت من الوأد المبكر. اعتبرها ملاكا، واعتبرتها أمها شيطانا، وألقت عليها بوصمة زريعة إبليس"، وكانت لها أقبح الشتائم، فحملت بين جوانحها المتناقضات غضب وكره وحنين. وكانت حياتها سعيا محموما إلى افتكاك الحب والكرامة، رغم الفقر والحاجة " أنا امرأة داستني الحياة حتى هتكت كرامتي فرددت الفعل بأن تمردت عليها، وهتكت كرامة كل المنافقين فيها. عشت وهي تبصق في وجهي، فبصقت على تقاليدها وأعرافها، ولم ألتفت ورائي لأرى ما خلفته من قذارات حتى انسدت كل الآفاق أمامي".  هذه "فتاة القبر البيضاوي". إنها لوحة عامة عن تونس ما بعد 2011، وما يعتمل فيها من حركات تحرّر وتمرد وإحباط، أبدع ماهر عبد الرحمان في رسمها. وهي قصة حياة شيقة برع في نسجها وحبك خيوطها النفسية، حتى لكأنها حالة عيادية حررها محلل نفسي حكاية امرأة بنت نفسها بآلامها، وتحدت خيباتها، ووقفت بعد كبواتها، وحولت بؤسها إلى مقاومة وقبرها إلى رحم.  .

د. رجاء بن سلامة