الجزء الثاني من رواية بيروت مدينة العالم: "عمر البارودي وعبد الكريم النضولي ومحمد عزيز لا يخرجون من الهجمات إلا جنباً إلى جنب. لا يرى أحدهم إلا بين الاثنين. دوماً معاً. لا يفترقون أبداً. يسمونهم "الثلاثة الشوام". الشوام كلهم ماتوا. لم يبق في هذا المعسكر غير هؤلاء الثلاثة. كان يوجد واحد رابع، من بيروت اسمه محمد قاسم الداعوق. قبل القُرم، في بلده البعيد، كان رفاقه ينادونه "بو محدلة". هنا صار اسمه "محمد قاسم". لا سطوح هنا. ولا محادل تحدل سطوح البيوت، لكن محمد قاسم خرج في غارة ولم يعد، لعله قتل. لعله فرّ. لعله يقعد الآن في مععسكر آخر ويتلمس جروحه. لعلهم أخذوه أسيراً. الروس ما زالوا يأخذون أسرى. البيروتي إبراهيم بلطجي أخذ أسيراً مع واحد آخر من بلده اسمه محمد الحصّ. جمّول كبّول، وهذا أتى مع "الفرقة البيروتية"، رأس الروس يحملون الرجلين مكبلين بالحبال. ابن الحص كان يبكي ويصرخ. الآخر كان يعضّ الحبل. الروس دخلوا باب سيفاستوبول. وجمّول كبّور فرّ تحت أمواج الثلج. قال أنه غطس في الثلج وصار يسبح حتى بلغ المعسكر. لم يصدق أنه نجى. تلك الليلة تجمدت أصابع قدميه. "الشوام الثلاثة" خرجوا تحت جنح الظلام إلى أسوار سيفاستوبول. أردوا أن يأخذوا أسرى. للمبادلة. لكنهم تاهوا في الثلوج. حين تهب العواصف لا تستطيع أن تخطو خطوة واحدة إلى أمام. الريح تقلع الأشجار. وحده العملاق بينهم، البيروتي الذي يحب البحر وينتظر حتى يأتي الموج الكبير ويبعد الجيف كي يغطس إلى القعر ويطلع حاملاً الأصداف، وحده العملاق أنقذهما من الموت. غطتهما العاصفة ببطانيات الثلوج، فشالهما من تحت البطانيات وحملهما. كل واحد على كتف. قطع العاصفة وتاه وأوشك أن يقطع بحر الجليد، ثم، عند الفجر، عثر على المعسكر". في مناخات تمزج بين الخيال والحقيقة يستمر ربيع جابر في سرد أحداث روايته بيروت مدينة العالم. والتي رسمها من خلال شخصيات عائلة عبد الجواد أحمد البارودي صاحب الذراع الواحدة وأبنائه الثلاثة الذي يكون حظ أحدهم وهو الأكبر معايشة لحروب والفتن الطائفية التي اجتاحت جبل لبنان وحلب ودمشق، ويكون حظ الابن الأصغر عمر معايشة حرب القرم وخوضها. حكاية بيروت التي هي من نسج الخيال كثيراً ما تتقاطع خطوطها مع الواقع المأساوي الذي عاشته هذه المدينة في فترة من فترات تاريخها الحزين.