ففي أسلوب خاص، وسخرية مبطنة، وتعابير مختصرة لصورٍ متعددة من الحياة، وبجرأة نادرة على كسر الشكل الروائي الحديث الذي استقر، والتقليدي في آن. وبصور معبرة كومضات تأتي ثم تغيب، بطقوس متفردة خارجة عن المألوف بحدتها وشكلها المدروس، يحاور الشاعر "إبراهيم نصر الله" في هذا العمل الروائي حالة الاغتراب المُرّة التي باتت تحتل مساحة شاسعة في الروح العربية منذ حرب الخليج الأولى مروراً بالظلال القاسية لما آل إليه الحال الفلسطيني وصولاً إلى مرحلة ما بعد 11 أيلول/سبتمبر واحتلال العراق. هي شرفات يطل من خلالها أديبنا على واقع الحال الذي يعيشه بطل الرواية "رشيد النمر" وعائلته، هي محطات تمثل صوراً لحياة الإنسان العربي الباحث عن هويته وعن حريته وعن أمنه فلا يجده، عصر مليء بالصراعات والحروب والفقر إلى درجة أنه ينظر في المرآة فيجد صورة أخرى لذاته، يقول بطل الرواية: "أريد أن أتأمل نفسي في مرآة لا تعكس صورتي!!أوليسَ هذا صعباً، وما وجه الصعوبة في ذلك. هذا يعني أنك ستكون حيث كنتَ، بلا جفنين، وبأحلام تُذكِّرُكَ بالنهار، وبلا طريق، وفوق ذلك كلّه، وحيداً، مع هذه المرآة العمياء!! وسأله صديقه الميت: ولماذا تصاحبني؟! لأنني لا أستطيع أن أرى نفسي فيك! ولماذا لا ترى نفسك فيّ؟! لأنك بلا عينين! فهمت قصدي، أليس كذلك؟
"شرفة الهذيان" شكل جديد في الأدب الروائي الحديث كسر من خلاله "إبراهيم نصر الله" مفهوم بناء الشخصية باللاشخصية، وكسر الفن بالفن كي تكون ثمة مساحة في هذا (العبث الملحمي) الذي نعيش، يمكن من خلالها محاورة واقع جديد لم يعد ممكناً محاورته إلا بالذهاب إلى منطقة الحدود القصوى.