في وداع أولاد أحمد:
ظهر اليوم التالي لرحيلك الفاجع، تمشيّت على شاطىء الحمّامات لمدّة ساعتين تقريبا...
ماأجمل البحر في أوقات هيجانه و غضبه الجميل الذي يعقب تهاطل الأمطار!
الشاطىء فارغ لكن في منتصف جولتي، فاجأت مراهقا و مراهقة يتبادلان قبلات ملتهبة متخفين بين صخرتين ...
ماأروع الحب في أوّله و ماأمره في نهايته !
تمشيت إذن ...و تذكرت
تذكرت ...تذكرت
آه! كم تذكرت !
و لست أدري يا صديقي لماذا لا تنفع الذكرى إلا المؤمنين فقط كما ورد في «الكتاب». بل أنا أراها نافعة و مفيدة لجميع المخلوقات على وجه الأرض. ألم يكن الكلب هو اوّل من تعرف على سيده أوليسيس بعد عودته من غياب طويل إستمر عشرين عاما ؟ و قد أحب كلب أبيض بورقيبة في جزيرة جالطة ، فلم يفارقه أبدا خلال العامين اللذين أمضاهما مبعدا هناك معزولا عن العالم. فلّما غادر ، مات كمدا. و كلابنا الشرسة في الريف كانت تتذكرنا من خلال روائحنا فلا تنبح غاضبة عندما نعود إلى مسقط الرأس الذي كنا قد غادرناه قبل أشهر مديدة. و أنا على يقين أن ثعابين سيدي بوريد ، و عقاربها ، و كلابها ، و خرفانها ، و أحمرتها المدماة الظهور من ثقل ماتحمل ، وزيتونها ، ولوزها ، وطيورها وكل شيء فيها جامدا كان أم حيّا سيتذكرك . و سيتذكرك أيضا كلّ الأماكن التي وطأتها قدماك سوى في تونس ،أو في بلدان أخرى بعيدة و قريبة . و سيتذكرك جبل الشعانبي و كل الجبال الأخرى التي يعشش فيها من عادوك ، ومن كفروك ، ومن نادوا بقتلك ، ومن لا يزالون يخططون لذبح تونس الجميلة من الوريد إلى الوريد . تونس التي أحببتها كما لم يحبها شاعر آخر من جيلك