نؤكّد من جديد أنّ البحث الذّي اضطلعنا به ليس في النهاية إلاّ مقدّمة أساسيّة للبحث في خصوصيّات خطاب السّيرة الذاتيّة العربي في مستواه التّاريخي المتطوّر، فقد شهد اليوم هذا الخطاب اتّساعا في نصوصه، إذ تعدّدت الكتابات الممثّلة له في مختلف البلدان العربيّة، فضلا عن تطوّر أشكالها ومضامينها، ولكن هذا الجديد السّيرذاتي الذّي يحتاج اليوم إلى المتابعة والتمحيص والدرس يظلّ على الدّوام رغم التغيّرات الحاصلة في سياقه والمؤثّرة بصورة مباشرة فيه مشدوداً من نواح عدّة إلى ما نفضّل الاصطلاح عليه بالجذر السّيرذاتي الأمّ الذّي منه تولدت النصوص اللاّحقة وعنه تفرّعت. وهذا الجذر القاعدي المشترك، هو الذّي تظافرت جهود طبقة الروّاد على تأسيسه : طه حسين، وسلامة موسى، وأحمد أمين والعقاد، وميخائيل نعيمة، وتوفيق الحكيم، لذلك فمن هذا الجذر بدأنا هذا المبحث وعنده توقّفنا على أمل فتح سبل التعمّق في استجلاء أهميّة الكتابات السّيرذاتيّة العربيّة والدور الذّي اضطلعت به على المستويين الأدبي والإيديولوجي في مختلف مراحل التّاريخ العربي اللاّحقة. كذلك نأمل في أن يكون المجهود الذي نتقدّم به اليوم توطئة مفيدة لإحكام الربط بين أمّهات النصوص المؤسّسة للكتابة السّيرذاتيّة في أدبنا العربي وفروعها، فهذان المبحثان لا يمكنهما إلاّ أن يكونا من وجهة نظرنا خيطا واحدا، ولكنّه ممتدّ بلا نهاية في الزّمن تستلهم فيه على الدوام نصوص السّيرة الذاتيّة الآتية أمّهات النّصوص السّابقة عليها في الزّمن من بما هي مناويل مؤسّسة للنمط الأجناسي البدئي.
العربية
