أحاديث جانبيّة
إنّه عنوان لرواية صدرت هذه الأيّام للمبدع رياض خليف.. رواية حافلة بالمعاني السّياسيّة والاجتماعيّة والثّقافيّة، صيغت في أسلوب لا يملّه القارئ ولا يتعبه، وكلّ ما فيها مأخوذ من حاضرنا، يصف همومنا، يتحدّث عن واقعنا المرّ وأعني به واقع المجتمع "بعد الثّورة".
أمّا الأسلوب فهو يرقى إلى السهل الممتنع، يأخذ من الصّحافة بطرف ومن الأدب القصصيّ بطرف، ومن أدب السّيرة بطرف آخر، وهي ليست سيرة الكاتب وإنّما سيرة الآخرين، أولائك الذين يعيشون بين الكاتب وبيننا ويصارعون أقدارا جديدة تسلّطت بها عليهم "الثّورة" التي عقبت النّظام السّابق.. ولكم تغيّر المجتمع بتأثير ممّا نطلق عليها "ثورة"، وكم تغيّر النّاس بفعل الأحداث والتّغيّيرات والسّياسات الخاطئة واللّهفة على المناصب والوصوليّة والمحسوبيّة والاستثراء والغشّ والتّحيّل، إنّه مجتمع يتفتّت، تتغيّر فيه المثل وتتآكل فيه القيم وتنهار فيه المقدّسات.
في الرّواية شخصيّات عاشت تتمسّح على أعتاب النّظام السّابق وتأكل من فتات موائده وتركع له ركوع العبيد للأسياد فإذا بها تنقلب على نفسها وتشدّ الرّحال نحو طبقة الحكّام الجدد مهلّلة مصفّقة مقدّسة متنكّرة لماضيها، مطالبة باسترداد حقوقها "الوهميّة" التي اغتصبها منها النّظام السّابق.. هكذا بكلّ وقاحة وقلّة حياء.
إنّ المثل السّاطع على ذلك هو الصّحفيّ الذي كان يخدم طبقة النّظام السّابق من المعتمد إلى الوزير ممجّدا كلّ حركة من حركاتهم، متذلّلا متمسكنا متصاغرا متسوّلا.. هكذا كان طوال مسيرته الصّحفيّة ثمّ فجأة تحوّل لبوق دعاية لطابور الحكّام الجدد.. إنّ هذا مثال أوّل، أمّا الثّاني فهو المرأة التي امتهنت الدّعارة ووقفت على أعتاب اللّفيف الجديد مستفيدة من انهيار القيم والأخلاق والمبادئ وكذلك الفراغ الثّقافيّ والفكريّ لدى هذا اللّفيف الذي سرعان ما ارتمى في أحضان الفساد.. هكذا أصبحت بين عشيّة وضحاها امرأة تمتهن الدّعارة مسؤولة تتنقّل في أرقى أنواع السيّارات وتبسط سلطتها على العامّة ولها أزلام وخدم.
ألا إنّها رواية بالغة الأهميّة أدبيّا واجتماعيّا وسياسيّا لمن يريد أن يطّلع على خصائص واقعنا وما يجري أمام أعيننا وفي الزّوايا المظلمة.
عبد القادر بن الحاج نصر