لئن كان شعر النابغة محطّا لهمم أئمة اللغة والأدب، فقد كان جمعه بمنأى عن متعارف جهودهم. ان شعره بالمنزلة العليا فصاحة لفظ، وبلاغة تركيب، وشرف معنى، وتباعدا عن الضرورات وعن ضعف التأليف. وان فيه لوصف أحوال كثيرة من أحوال العرب عداتهم وديارهم وأيامهم وحياة عامتهم وملوكهم، مما خلا عنه شر غيره ممن سابقه أو عاصره. فشعر النابغة مولج للذين يهمهم الاطلاع على شؤون العرب في اخر عصر الجاهلية، اذ كان النابغة مرجع فصحائهم، وموئل ذوي الحاجات منهم، لما له من الوجاهة لدى ملوك العرب وسادتهم، ولأنه كان صاحب الرأي فيهم، فكان واسطة لديهم في شؤون خطيرة لقومه وجيرتهم وقد تغلغل في منازل ملوك غسان بالشام، وملوك اللخميين بالحيرة.