سيرة الطلح بين التاريخ والأسطورة

هذا العمل في تقديرنا هو أوّل سيرة تُنجز للطلح، المكان الذي ظلّ منسيا قرونًا طويلة. هنا ينهض التاريخ من بين الوثائق والذاكرة، ليحكي حكاية الأرض وأهلها، ويمنح الطلح صوتًا يُسمع أخيرًا. غير أنّ سيرة المكان لا تُروى استنادا إلى الذاكرة الشعبية وحدها، بل أيضًا بما دوّنته الأقلام في دفاتر الإدارة، وما حُفظ في الأرشيفات المحلية والفرنسية. تقارير رسمية، مراسلات استعمارية، ظلّت مركونة لعقود في رفوف النسيان، لتظهر اليوم كشهود صامتين يضيئون جوانب أخرى من تاريخ الطلح. إنّ إعادة قراءة هذه الوثائق، ونشرها لأول مرة، يمنح للمكان فرصة ثانية ليروي قصته بصوت أوضح، ويحرّر تاريخه من اختزال الحكاية الشفوية وحدها أو من ثقل النظرة الرسمية وحدها.
         ليست هذه السيرة مجرّد محاولة في التأريخ، بل هي أيضًا كتابة أدبية تُعيد للمكان صوته، فتضعه أمام أسئلة عدة، منها: كيف عاش الناس؟ كيف حلموا؟ كيف صبروا على المحن؟ وكيف واجهوا تحولات الزمن؟ إنّها رحلة في جغرافيا ممتزجة بالذاكرة، وسرد يطمح لأن يكون وفياً لكل ما هو مكتوب وما هو منسيّ في آن واحد. بهذا المعنى، يصبح الطلح أرشيفًا مفتوحًا، أرشيفًا من الأرض والإنسان والوثيقة، يحمل في طيّاته دروسًا للأجيال القادمة: أنّ الأمكنة ليست صامتة كما نعتقد، بل هي كتب تنتظر من يفتحها ويقرأ ما بين سطورها.
       إنه نصّ يجمع بين البحث الأكاديمي والكتابة الأدبية، ويمنح للمكان صوته الخاص كي لا يذوب في صمت النسيان. هو شهادة على علاقة الإنسان بأرضه، وعلى قدرة الأمكنة الصغيرة أن تحتفظ بما هو أبعد من حدودها: جذور وأحلام، حكايات وأساطير، دموع ومقاومة.