تبدو "الأنتروبولوجيا الثقافية" مؤهلة أكثر من غيرها لدراسة ثقافة المجتمعات التقليدية عموما و ثقافة الاثنيات على الوجه الأخص. انها تخترق الحقل الرمزي لهذه المجموعات الذي تؤلفه الأساطير و الطقوس و الاحتفالات و الفنون بأشكالها المتعددة. فتقوم بتتبع دلالته و تفكيك رموزه و مكوناته عبر الكشف عما تختزنه الذاكرة الجماعية من روايات و حكايات و أساطير و أشعار يحتل فيها الماضي الثقل المركزي الذي تجد فيه هذه المجموعات ملاذ يقيها كل أنواع الانحلال و التلاشي ان المجموعات المهمشة تحاول الابقاء على ثراء الحقل الرمزي بالاصرار الدائم على اعادة انتاجه و تلقينه للأجيال المتعاقبة و فرض صرامة على كل محاولة للاختراق و التغيير. فأغلب الأقليات الاثنية و الدينية حريصة على تحصين ثقافتها و الابقاء على مميزات رموزها. وهو ما سنراه بأكثر عمق حين نكتشف أن "عبيد غبنتن" لم يغيروا احتفلاتهم منذ أن بدأوا ممارسة هذا العمل. فلا أدوات الاحتفال و تقنياته تغيرت و لا مضمون الأشعار و توجهاته شهدت تحولا, انها حافظت على بساطتها المعهودة رغم التغيرات التي تشهدها الممارسات الثقافية