تعتبر هذه النصوص إضافة حقيقية يجد فيها دارسو الشابي طلبتهم, ففيها من إشراق لغته, و مذهب أخيلته, و بديع صوره, ووقد أحزانه و مؤتلق و طنيته ما لا يدانى . إن الصورة الفنية عنده لا تقوم على المجاز و الاستعارة فقط كما هو الشأن في القديم, و انما تقوم الى ذلك على جماليات الأنظمة اللغوية ( الصوتية و الصرفية و النحوية) , فمن خلال النظام الصوتي لكلمات الشاعر الشفافة تتبدى الحروف و المقاطع نغما لافتا كما يتبدى دور التعدد الصوتي في البنية الموسيقية , و تتضح جماليات النظام الصرفي في الدور الجمالي للصيغ ( الأفعال و مزيداتها , و المشتقات (= المصدر و اسم الفاعل و اسم المفعول و الصفة المشيهة و أفعال التفضيل و أمثلة المبالغة ...) . أما جماليات النظام النحوي فتتجلى في بناء الجمل و خصائص تكوينها و المواقع النحوية للكلمات و أثر كل ذلك في بناء علاقات تركيبية جديدة, و من ثم فالصورة الفنية عند الشابي أوسع بكثير من المجاز و الاستعارة, و الموسيقى الشعرية أوسع بكثير من العروض. و كل ذلك متجل في لغته و أخيلته و صوره و موسيقاه و هياكل جمله و نضارة أوصافه و في نظم كلماته و حميمية تجاورها و تفاعلها . و هكذا بعد ست و ثمانين سنة ينطلق صوت الشاعر مخترقا سجوف العدم , و هو يتغنى في جديد أدبه بحب الوطن , و عزة الأحرار , و أمل العاشقين , و شوق العارفين , و يسائل الوجود في حيرة فكرية و دهشة وجدانية عن المبدأ و المصير , متشوقا في الوقت ذاته الى الخلاص الصوفي الأبدي الذي به تتحرر الروح من أسر المادة , و تعرج الى العالم العلوي, و هناك تسبح في الطهر و الصفاء و الضياء و السلام , و تنعم ببديع الألحان .