وجد المغرب العربي الكبير الآن في منعطف تاريخي مركّب ومعقّد ودقيق جدا. عليه أن يحسم أمره قبل فوات الأوان. عليه أن يختار طريقه جيدا قبل أن يتقدم في الاتجاه الخاطئ ثم عليه أن يجيب على الأسئلة المصيرية، أسئلة المستقبل التي تطرحها الشعوب على نفسها بأصوات نُخبها في كل مرحلة انتقالية: ما هي الأولويات أولا، ثم ما الذي يجب أن نفعله لكي نخرج من التخلف والخوف والتمزق؟ إلى أين يجب أن نتجه ونسير على ضوء المعطيات الجديدة والتحولات السريعة التي تطال الجغرافيا والمناخ وطبيعة القوة وتحديات التكنولوجيا والنمو السكاني؟ وما هي استعداداته للتكيف مع المتغيرات الداهمة والعاصفة من كل صوب؟ وما هي قدراته على العيش الحر والكريم؟ وكيف يمكنه أن يجتاز المطبات والثقوب السوداء ويظل متيقظا لمكر الزمن وخداع الإيديولوجيا ومفاجآت الطبيعة وارتدادات التقدم وتقلبات الأسواق؟. إن ما يعيشه المغرب العربي اليوم من عشوائيات وتخبطات ما هو إلا حصيلة تراكم ثقيل قديم وجديد من صنع أيدي أبنائه في الجزء الأعظم منه. فما من سياسة فاشلة أو ناجحة لا تستند إلى رؤية ولا تتأصل من فلسفة للحكم والتحكم والحوكمة. فلسفة بعيدة المدى يتقابل فيها السياسي بالاقتصادي والاجتماعي بالثقافي ويتعانق بداخلها التاريخي بالجغرافي وتتلاحم فيها الرؤى والطروحات لتشكّل ما يسمى بالإستراتيجيات الكبرى. بدون ذلك تصبح الدول والإمبراطوريات عمياء. فالدولة بما هي"العقل الكامل" لدى (هيغل) ليست إلا كائنا مفكرا ومفكرا فيه. وما إن توصد أية دولة أبواب التفكير الحر أو تمنع السجال من أجل اختراع الرؤية لتركيب معادلة الاستمرار والرفاه والقوة، حتى تبدأ في رحلة الانحطاط.