- Neuf


ISBN: 97899383107002
استيقظت قبل أن يؤذّن الديك. الحقيقة أنه لم يغمض لي جفن، لقد قضّيت ليلتي أفكر في هذا المصاب الجلل الذي حلّ بي دون أبناء القرية، فالذهاب إلى المدرسة يعني التخلي عن عوالمي الريفية البديعة؛ رعي بقرتنا الوحيدة، وجلب الماء من عين دقة حيث أقابل أترابي، ولعب الكرة «كرة الشوالق»، في الحقول المترامية... ثم إنني كنت أعتقد وقتها، أنني حصّلت كل العلم الممكن من مؤدّب القرية، بعد أن صرت قادرا على الكتابة، بل وحفظت نصف «جزء عم»! وهذا يكفي وزيادة كما أكد لي المنصف ولد عمي الذي كان يكرر أمامي أن أقصى ما يبلغه الإنسان من العلم هو فك الخط وحفظ ما تيسر من القرآن الكريم. والوالد أيضا كان من رأي المنصف ولد عمّي ولكنه لم يجد بدّا من مجاراة الوالدة التي كانت مصرّة على أنّني من الممكن لو تعلّمت أن أصبح ممرّضا أو معلما وربّما كاتبا عند العمدة أو حرس مرور!
استيقظت الوالدة وجهّزت لي فطور الصباح، ثم أمرتني بغسل وجهي وتسريح شعري. وكان عليها أن تتدبر الملابس اللائقة بطفل يدخل المدرسة! وسرعان ما اكتشفت أنني مخيّر بين أمرين: إما أن أذهب إلى المدرسة حافيا أو أن ألبس حذاء أبي القديم المتهرئ ذي المقاس الذي يتجاوز الأربعة والأربعين! لكنها تخلت عن هذا الخيار عندما وضعت إحدى قدميّ في الحذاء، فقد بدوت مثل صاحبنا «شارلو» بحذائه الشهير! فتدخل المنصف ولد عمي واقترح أن ألبس «بوطه» الشتوي القديم المصنوع من «الكاوتشو»، ومع أننا كنا في الفاتح من أكتوبر كما أذكر وكان الطقس شديد الحرارة، لم يعارض أحد فكرة المنصف ولد عمي العبقرية.. إذ لم يكن لنا خيار آخر أصلا!