هذا كتابٌ صادم، جارح، هتّاك حجب، فضّاحُ أسرار، لاذعٌ في تعريته لفترة زمنيّة “موجعة” في تاريخ تونس، باذخٌ في اعترافاته، ومذهلٌ في سرده لوقائع ماتزال إلى الآن تربكُ الذاكرة الجمعيّة…
صحيح أنّ هذا الكتاب هو أوّل مذكرات تُنشر لرقيب كُتب سابق في البلاد العربيّة، فقد درجت أوطاننا من المغرب إلى المشرق على التستّر على أسماء الرّقباء فيها تستّرها على فضائح القصور والعروش، وصحيح أنّه اقتصر على مهامّ السيّد الرّقيب، دون أن يغامر بالولوج إلى عالمه الأسريّ الحميميّ، لكن ما تضمّنه متنهُ يرقى إلى مرتبة الاكتشاف المذهل، لا لأنّ ما ورد فيه من وقائع وأسماء شخصيات وكواليس ومؤامرات وصراعات ومعارك كادت أن تودي بالبلاد في أتون حربٍ أهلية، يُبسطُ للمرّة الأولى بهذا الجلاء وهذا الوضوح، ولا لأنّ ما تضمنّه من إشاراتٍ صريحة، فاضحة، ولاذعة لمختلف اللاعبين الرئيسيين على الرقعة التونسية، من إسلاميين وجامعيين وأرباب سلطة ووزراء وصحافيين وجامعيين وسفراء ومقنّعين ملثّمين، كشف عن غموض زمنيّة تونسية تحتاجُ فعلًا إلى تحبير مجلّدات، ولكن لأنّ هذا الكتاب يلعبُ في منطقة “الصراحة المطلقة” ببساطة جارحة…
نعم، فأنس الشابّي، لم يولّ الأدبار هاربًا، حين عرضتُ عليه فكرة كتابة هذه المذكرات، خدمة لذاكرة شعبٍ، وخصوصًا خدمة لشبابه، وزاد، فلم يلتهم كلماته، وهو يلعبُ في ملعب “الذاكرة الصريحة”، مستحضرًا رحلتهُ من التعليم الزيتوني المحافظ إلى تاريخ إنهاء مهامّه صلب الوزارة الأولى، مرورًا بلعبتي المنع والمصادرة…ونحنُ لا نشكُّ ألبتة في أنّ هذا الكتاب سيشعلُ ما خلنا أنّه خمد من حرائق سجاليّة.”