كتب دوستويفسكي قصة “البطل الصغير” وهو في سجن منفرد بقلعة بتروبافلوسكايا. وبعد ذلك بزمن طويل قال لصديقه: حين وجدتني في السجن قدّرت أن هذه هي النهاية، ولكنني لم ألبث أن هدأت هدوءًا تامًا على حين فجأة. فماذا فعلت؟ كتبت قصة “البطل الصغير”. اقرأ هذه القصة! هل تجد فيها شيئًا من غضب أو حنق أو ألم؟ كنت وأنا في سجني أحلم أحلامًا هادئة، طيبة، حلوة، عذبة، وكلما طال بقائي في السجن، ازداد حالي تحسنًا” إن هذا التناقض بين الزنزانة الرطبة مع الانتظار الطويل لصدور الحكم، وبين الأحلام الهادئة والذكريات المضيئة المشرقة لهو ظاهرة نفسية نادرة. وقد علل دوستويفسكي هذه الظاهرة قائلًا: “إن في طبيعة الإنسان حيوية مدهشة! حقًا ما كان لي أن أصدق أن الإنسان يملك مثل هذه الحيوية ولكنني أعرف الآن ذلك بالتجربة”. “لقد انتهت طفولتي”. ما أروع وصف دوستويفسكي لهذه العواطف التي تضطرم في قلب فتى ملتهب! إن الأسطر الأخيرة من هذه القصة التي كتبها دوستويفسكي قبل نقله إلى المعتقل في سيبريا لهي من أصفى ما خطه قلمه من أحلام رومانسية. إنها وداع للشباب قبيل الآلام التي ستكشف له عن قوة الشر في أعمال النفس الإنسانية. هذه الروح الرومانسية تجمع معظم ما ضمته هذه المجموعة من القصص.