بدأت الحكاية على نحو مفاجئ، وانتهت بسرعة دون أن أتمكّن من كشف خفاياها. كان إحساسي بالقهر وتعطّشي لمعرفة الحقيقة قد دفعانى طيلة سنة تقريبا، إضافة إلى عنادي وبحثي عن سبق صحفيّ وأوهامى عن صحافة الاستقصاء، إلى الاشتغال على ملفّ الجوهرة السوداء فى تاج كرة القدم التونسيّة "باغندا". فتحتُ صناديق كنت أجمع فيها أوراقى ومقالاتى ورسائلى باحثا عمّا وضعته فيها من قصاصات منذ ما يناهز ا "بدأت الحكاية على نحو مفاجئ، وانتهت بسرعة دون أن أتمكّن من كشف خفاياها. كان إحساسي بالقهر وتعطّشي لمعرفة الحقيقة قد دفعانى طيلة سنة تقريبا، إضافة إلى عنادي وبحثي عن سبق صحفيّ وأوهامى عن صحافة الاستقصاء، إلى الاشتغال على ملفّ الجوهرة السوداء فى تاج كرة القدم التونسيّة "باغندا". فتحتُ صناديق كنت أجمع فيها أوراقى ومقالاتى ورسائلى باحثا عمّا وضعته فيها من قصاصات منذ ما يناهز الخمسة عشر عاما، فخرج باغندا من تلافيف الذاكرة كالنبتة الشيطانيّة. كان يسكن فى كنّاشَين وكرّاس متوسّط الحجم دوّنت فيها ملاحظات عن قضيّة باغندا. وها أنا أسعى إلى ترميم ذاكرتى وإعادة تركيب شتات من حكاية باغندا، ولملمة نثار من قضيّة حُكم فيها بإسدال ستار من الصمت عليها وعلى ضحيّتها بعد أن مرّت، ويا للغرابة، من دون أن تثير، الشارعَ الرياضيَّ. فى وقتها، أواخر سنة 1987، كانت البلاد تعيش حربا ضَروسا بين سلطة بورقيبة المتهاوية المتكئة على وزير الداخليّة زين العابدين بن علي وبين الإسلاميّين الذين توهّموا أنّ السلطة تناديهم وما عليهم إلاّ أن يقبضوا عليها. واليوم لم يعد أحد يذكر الحكاية أو ربّما لا أحد يريد أن يذكرها فقد انتهى باغندا مقهورا بعد أن قتلوه تجاهلًا، ولو وجدوا سبيلا إلى محو اسمه من تاريخ كرة القدم في البلاد لفعلوا تكفيرًا عن ذنب يشعر به الجميع ولا يسمّيه، وتكفيرًا عن نذالة شارك فيها الجميع ولكن لا أحد اعترف بها." وشكرى المبخوت هو أديب تونسى، ولد عام 1962، حصل على دكتوراة فى الآداب من كلية الآداب بجامعة منوبة بتونس، وعمل عميداً لكلية الآداب والفنون والإنسانيات فى نفس الجامعة، وقد حصل على الجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر" لعام 2015، عن روايته "الطليانى"