ولا يخفى على القارئ أنّ حياة الفرد وسيرته الخاصّة لم تركن إلى الاستقرار طيلة عهد مديد تواصل من نهاية دولة قرطاج إلى نهاية العهد الروماني، من أواسط القرن الثاني قبل الميلاد إلى ربع القرن الخامس بعده. تحوّل على امتداد هذه القرون المتتالية نمط عيش الخواصّ وتطوّرت عقلياتهم وتغير ملبسهم ومسكنهم. وتفاعلت على مداها عوامل الحفاظ على الموروث، منذ عهد دولة قرطاج ومملكة نوميديا، وديناميكية التوق إلى التجديد... مع العلم بأن نسق التطور اتّسم طيلة التاريخ القديم بالبطء الشّديد نظرا للركود الّذي طغى على تجديد التقنيات وعرقل التقدّم التّقني. أنجبت الولاية الإفريقية مفكّرا أضاء بنور عبقريّته حضارة روما في آخر أيامها وأشعّ فكره، فكر القدّيس أوغسطينوس وانتشرت كتبه طيلة أحقاب العصر الوسيط في أصقاع القارة الأوروبية. ومثلما أحدث انتشار التّعليم وازدهار الثقافة في القرن الثاني وضعا خلاقا ملائما لنشأة الأدب اللاتيني ونموّه، أفرز كذلك التّحضر وانتشار العمران في العهد ذاته مجالا واسعا لتطوّر الهندسة المعمارية والفنون التشكيلية الّتي فضّلت بخاصّة فنّ الفسيفساء وميّزت به متحف باردو. واخترنا أن نهتمّ في هذا الكتاب بمسألة الخواصّ ونمط عيشهم في العهد الروماني اعتبارا لما نوليه اليوم من أهميّة لإرساء قيم المواطنة ومكانة المواطن.